مهما تكن مبررات الفكر العربي الحديث والمعاصر للانعتاق من سلبيات الماضي ورغبته في معانقة الحاضر والتطلع إلى المستقبل، فإنها مبررات لا تكتسب مشروعيتها إلا إذا انتبه هذا الفكر إلى واقع التداخل الحاصل بين أنماط الزمن في الذاكرة الجماعية، واقتنع باستمرار تأثير التراث الفكري والتاريخ المشترك في حاضر وواقع المجتمع العربي والإسلامي، الأمر الذي يستوجب اتخاذ ذلك التراث وهذا التاريخ بعين الاعتبار عند كل دعوة للتغيير والإصلاح. ومن ثم فليس صحيحا مثلا، أن دراسة المذاهب الفقهية والاتجاهات السياسية والفرق الكلامية في تاريخ الإسلام، أمر يحيلنا إلى تراث ماض لم يعد له تأثير في واقعنا الحاضر… وليست الدراسات الأنثروبولوجية وحدها كفيلة بتبديد مثل هذا الوهم، بل إن الوقوف على تطور الأحداث السياسية والفكرية المعاصرة، في العالمين العربي والإسلامي، هو أيضا يحملنا على الانتباه إلى علة عودة الدراسات الاستشراقية، إلى العناية بتاريخ المفاهيم والأفكار والمذاهب والفئات الفكرية السائدة منذ ظهور الإسلام…ويكفي الإشارة هنا إلى استمرار التداول في حياتنا الفكرية والاجتماعية المعاصرة لمفاهيم تنتمي في الأصل إلى تاريخنا الماضي البعيد، السائدة منذ ظهور الإسلام…ويكفي الإشارة هنا إلى استمرار التداول في حياتنا الفكرية والاجتماعية المعاصرة لمفاهيم تنتمي في الأصل إلى تاريخنا الماضي البعيد ولكنها مفاهيم لا تخلو من حمولات ومضامين شديدة التأثير في حياتنا اليومية، بل هي مفاهيم طالما وظفت إيديولوجيا وسياسيا في وسائل الإعلام المختلفة، وذلك من قبيل “الأصولية” و”البدعة” و”السنة” أو مفاهيم “الإرهاب” و”التطرف” و”الحداثة” و”التسامح”…وغيرها من المفاهيم الفاعلة إلى اليوم في الحقل الفكري العربي والإسلامي والتي تتعرض إلى الاستغلال الكثيف والتوظيف الإسقاطي المتعدد الأنواع، سواء من قبيل الجهات المتصارعة داخل العالم العربي والإسلامي.
في هذا السياق، سياق مراجعة مفاهيمنا الحضارية مراجعة تبتغي تعميق الفهم وضبط المعاني وتصحيح التصورات؛ يأتي كتاب “في فقه وشرعية الاختلاف في الإسلام” للمفكر عبد المجيد الصغير. الذي يشدد فيه على الارتباط الواقع بين المفاهيم والحياة العملية والممارسات اليومية، من خلال تأكيده أن إصلاح أوضاعنا العملية رهين بإصلاح مفاهيمنا وأحكامنا، خاصة منها تلك الأحكام والتقييمات المتسمة بالقطع، والحائمة حول معاني الرفض والقطيعة والإقصاء والتبديع والتكفير، خصوصا أن كل القرائن تشير إلى طغيان الأسباب والاعتبارات السياسية التي من شأنها أن تعمق الخلاف، فينعكس ذلك على الجانب المفاهيمي، ثم يسري أثره حتى إلى الجانب العقائدي.











