لا مبالغة في القول بأن البشرية اليوم، تواجه مأزقها، تشهد على ذلك المعضلات المتفاقمة، والإخفاقات المتلاحقة، والانهيارات المفاجئة التي تعج بها الساحة الإنسانية.
ولا ريب أن الأزمة عالمية بقدر ما هي شاملة؛ إذ تضرب في غير مكان، وعلى غير صعيد من صعد العمل الحضاري والنشاط البشري، ليصبح من تكرار القول الكلام على المأزق الوجودي الراهن كما تشير إليه عناوين المؤلفات والمقالات التي تتناول الوضع البشري، مثل الصدمة، الرعب، النهاية، السقوط، الانحلال، العدمية. ومن اللافت للنظر أن أكثر المؤلفات الفكرية والفلسفية التي صدرت في فرنسا (عام 2005) قد جرى إدراجها تحت عنوان: العالم في أزمة.
الشعور بالأزمة والتنبيه على خطورتها ذلك ما سبق وأن عبر عنه المؤتمر العالمي للأديان المنعقد بشيكاغو عام 1993م في بيانه الختامي إذ جاء في ديباجته:
“عالمنا اليوم في محنة وكرب بلغا من الإلحاح مبلغا عظيما يدفعنا إلى سبر غورهما وعوارضهما بسبب عمق هذا الألم المستشري.
السلام يفوتنا… والكوكب يتعرض للدمار… الجيران يعيشون في خوف… هناك غربة بين النساء والرجال والأطفال يموتون. إنه أمر بغيض!…”
عمق الأزمة وتعدد مظاهرها أدى “إلى طرح أخطر سؤال نعرفه في العصر الحديث: الإنسانية إلى أين؟
بعبارة أدق: هل هي سائرة نحو الفناء أو نحو البقاء؟… نحو الشقاء أو نحو الهناء؟… نحو عنصرية متشددة أو نحو عالمية متحررة؟… نحو صدام بربري أو نحو حوار حضاري؟ نحو سحق حقوق الإنسان أو نحو الحفاظ على هذه الحقوق؟… نحو تكنولوجيا غاشمة أو تكنولوجيا واعية؟ هل ستسود المعرفة على القوة والمال أم تسود القوة على ما عداها من فعاليات؟.
ورغم تعدد صيحات الإنذار وكثرة صفارات التحذير، التي يشترك في إطلاقها رجال الدين والفكر والسياسة والعسكريون وأهل الاقتصاد ورجال الأعمال والصناعة والقانونيون والإعلاميون والمعنيون بالبيئة فالبشرية مازالت تعاني من ترديها الأخلاقي، والأزمة في استفحال وتفاقم مستمرين.
إجمالا “إن هتافات كثيرة من هنا ومن هناك، تنبعث من القلوب الحائرة وترتفع من الحناجر المتعبة… تهتف بمنقذ وتلتف إلى “مخلص” وتتصور لهذا المخلص سمات وملامح معينة تطلبها فيه… وهذه السمات والملامح المعينة لا تنطبق على أحد إلا على الدين الإسلامي”
في هذين السياقين، سياق الكشف عن خطورة المأزق الوجودي الذي يعيشه عالمنا المعاصر، وسياق التأكيد على أحقية الإسلام للانتصاب كأحد الخيارات المتاحة أمام البشرية لإنقاذ مستقبلها، يأتي كتاب: “الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود”. لمؤلفه السفير الألماني مراد هوفمان.