تتناول الدراسة موقف المسلمين من الآخر المخالف دينيًّا والنقيض عقيديًا، ومما يثير هذا الموضوع في وقتنا الراهن أشكال التطرف وأعمال العنف والإرهاب ضد الآخر؛ وهي أعمال تستند إلى تراث فقهي، تحكمت في صناعته وبروزه عوامل تاريخية.
وفي هذه الظروف، بات من الواجب على المشتغلين بالفكر أن يدرسوا المتغيرات التي تعرفها مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ من أجل فهم طبيعة التحولات العميقة التي تكاد تعصف بوجود هذه المجتمعات، ومحاولة وضع تصور في معالجة هذه المتغيرات ذات التأثير القوي على مستقبل مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
وبالنظر إلى أزمات الواقع العربي والإسلامي، وإخفاقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التحامل الغربي على الإسلام والمسلمين؛ فقد تلقف الكثير من منظري الحركات الإسلامية السياسية المتشددة العديد من تلك التصورات، فعملوا على استثمارها في تكفير المجتمع، وتكفير الحكام، وتكفير المحكومين لأنهم رضوا بهم، وتكفير العلماء، لأنهم لم يكفِّروا الحكام؛ إعمالاً لفكرة أن من لم يكفِّر الكافر فهو كافر، وتكفير كل من عرضوا عليه دعوتهم فلم يقبلها.
واكتسبت الحركات الإسلامية الراديكالية التي اعتمدت في تصوراتها وأعمالها على الأحكام التراثية؛ صفة المشروعية للكثير من عمليات العنف التي يتم تنفيذها، سواء على المستوى الداخلي (العربي والإسلامي) أو على المستوى الخارجي؛ إذ تستند تلك التنظيمات إلى تلك المقولات في تبرير أعمالها الإرهابية.
في خضم ذلك، يؤكد الدكتور محمد الناصري أن أصل علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم والدول التي لا تدين بالإسلام؛ هي السلم لا الحرب، وهي مبادئ قرآنية حاكمة وضابطة لفلسفة السلام في الإسلام، وموجهة لمسار علاقة المسلمين بغيرهم نحو إقامة السلام والتعايش السلمي، وتحقيق التفاعل الإيجابي مع الآخر المخالف دينيًّا وعقيديا.
والمفسرين هذه الإشكالية من خلال مقولة النسخ، التي أثبتت التعارض بين هذه الآيات، ومبادئ قرآنية تعتبر أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي السلم لا الحرب، وذلك من خلال قولهم بآية السيف.
كما يرى الدكتور محمد الناصري في الختام أن تعزيز الوعي بثقافة السلام كفيل بتحقيق السلام والأمن والعدالة والتعاون الإنساني، وأن لا غنى عن تعزيز ذلك من منطلق التأكيد على المشتركات القيمية التي تجمع بين مكونات المجتمع الإنساني على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، باعتبارها استراتيجية كفيلة بأن توحد بين الناس، وأن تدفعهم نحو التفكير في حلول جماعية لتجاوز أزمات واقعهم في الحاضر والمستقبل.
ولدينا ولحضارتنا وأمتنا أدوار كبرى في هذه المجالات التي تؤهلنا لها منظومتنا الأخلاقية وأعراقنا الحضارية التي يتضمنها ديننا. وما على المسلمين سوى الشراكة مع العالم والإسهام في تفعيل استراتيجية المشتركات القيمية، فالأصل أن كل ما هو إنساني فهو إسلامي، والرحابة -كل الرحابة- إنما تأتي من الشراكة مع مختلف مكونات المجتمع الإنساني حول تلك القيم والإسهام في صياغتها وتفعيلها، وهو ما ينقذ دار الإسلام من التشدد غير المسوَّغ، والتنازل غير المقبول في الوقت نفسه.