تتلخّص الأطروحة الأساسية لهذه المقالة في الاعتقاد بأن أصلَ علاقة الأُمة الإسلامية، أو لنقُل تجاوزاً: الدولة الإسلامية، بغيرها من الأمم والدول -التي لا تدين بالإسلام- السلمُ لا الحرب.
ننطلق، في سبيل إثبات صحة هذا الطرح، من القول بأن الإسلام قد ظهر في زمن عدم الاعتراف بالآخر دينياً وحضارياً، فالحضارات التي سبقت الإسلام (الفرعونية، الإغريقية، الرومانية) بقدر ما قدّمت من نفع للإنسانية على المستوى المادي أكدت في المجال الاجتماعي على مبادئ الاستعباد التي حكمت على الآخر بالدونية والاحتقار والإلغاء.
بعد مجيء الديانة اليهودية، وبعد تحريفها، ثم تطويع النص الديني لإثبات التفوق اليهودي على كل الأمم، باعتبارهم شعب الله المختار، الشعب الخاص والمقدس للرب، الشعب الذي سخّرت له كل الأُمم لخدمته (…) وكذلك الشأن بالنسبة للديانة المسيحية وبعد تحريفها، أعلنت حربها ضد الآخر، وقصرت مهمة المسيح في حمل السيف (…)
“ولأن المجتمعات التي تقدّمت الإسلام مجتمعات حروب وعنف فقد وجه الإسلام أول نداء عالمي للسلام إلى كافة البشر مخاطباً الأُسرة العالمية بقوله: {يَأَيُّهَا اُلَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِى السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، نداء تحتمه وتقتضيه الخصائص الذاتية والسمات الكلية التي تتصف بها الأمة الإسلامية والتي تتحصل في كونها أُمة الخروج والشهادة والوسطية والعالمية…”
بناءً على هذه المسلّمة، جاءت نصوص القرآن الكريم متضمنة لمجموعة من المبادئ والأصول، باعتبارها محددات منهاجية يقوم عليها بناء السلام في الإسلام، وتنظم علاقة المسلمين بغيرهم، وترسم حدود هذه العلاقة، وتضبط حركتها، وتوجه مسارها نحو تحقيق معاني الإخاء والعدل والمساواة في العلاقات الإنسانية؛ ليتحقق السلم والسلام للإنسان في القرية العالمية. ليثور التساؤل حول ماهية هذه المبادئ التي تشكل الأطر المرجعية، والوحدة القياسية التي يتم الاحتكام إليها في شأن تقديم ذلك؟