مما لا شك فيه أن المسألة التاريخية من أكثر الموضوعات التي حفل بها القرآن الكريم، فالقرآن الكريم دائما يوجه أنظار قارئيه إلى استنطاق التاريخ واستقراء الحوادث، ومحاولة فهم هذه الحوادث فهما يمكّن من معرفة حركة الوجود وطبائع الحياة، وسنن العمران وأسباب الاستخلاف وسبل التحضر.
فثمة حقيقةٌ أساسية تبرز واضحة في القرآن الكريم، هي أن مساحة كبيرة من سوره وآياته قد خصصت للمسألة التاريخية التي تأخذ أبعاداً واتجاهاتٍ مختلفة، وتندرج بين العرض المباشر والسرد القصصي لتجارب عدد من الجماعات البشرية، وبين استخلاص يتميز بالتركيز والكثافة للسنن التاريخية التي تحكم حركة الجماعات عبر الزمان والمكان…وتبلغ هذه المسألة حدا من الثقل والاتساع في القرآن الكريم، بحيث إن جل سوره لا تكاد تخلو من عرض لواقعة تاريخية، أو إشارة سريعة لحدث ما، أو تأكيد على قانون أو سنة تتشكل بموجبهما حركة التاريخ. مما يمكن القول معه: إن القرآن الكريم هـو مصدر وعي تاريخي للإنسان؛ فهو الذي أثار الرغبة في الاطلاع والتشوف إلى التعرف على أحوال الأمم السابقة، وسبب سقوطها، وسنن التداول الحضاري، حتى إنه لم يدع الإنسان أمام هـذا الغيب المجهول المحرم على حواسه؛ بل قدم له مساحاتٍ كبيرةلقصص السابقين قبل اختراع الكتابة وتدوين التاريخ، غطى فيها جميع جوانب النشاط البشري العبادي والفكري والسياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي وحتى النفسي، بما يمكن أن نطلق عليه اليوم التاريخ الحضاري، وامتد إلى أنباء الغيب، والغيب هـنا يعني الماضي الغائب عن ساحة المعرفة والشهود.