مما لا شكَّ فيه أن الحرية من القِيَمِ الأساسية في حركة تحضُّر الإنسان أفراداً وجماعات؛ فـنهوض الأُمم وسقوطها أو تقدّمها وتراجعها منوط بمدى شيوع قِيَمِ الحرية بين أفرادها، وفي مجتمعها؛ إذ لا يمكن أن يتحقق التقدّم إلا بالتحرر من كل معوقاته وموانعه، والحرية هي الشرط الحاسم للفعل الإنساني على تخطي المعوقات، وتحصيل أسباب النهوض والبناء والإصلاح والتغيير. فالحريّة -بكل ما تحمله من معانٍ إنسانية وقيَم سامية تُعلي من شأن الإنسان، وتحفظ كرامته، وتحميه من كل أشكال الإكراه والتسلط والاستبداد- هي مفتاح التقدّم ووسيلته في الآن نفسه.
من أنواع الحريّة الأكثر أهمية للوجود الإنساني حريّة الاعتقاد من حيث هي: حرية الإنسان في أن يتبنى من المفاهيم والأفكار ما ينتهي إليه بالتفكير أو ما يصل إليه بأي وسيلة أخرى من وسائل البلاغ، فتصبح معتقدات له، يؤمن بها على أنها هي الحقّ، ويكيِّف حياته النظرية والسلوكية وفقها، دون أن يتعرض بسبب ذلك للاضطهاد أو التمييز أو التحقير، ودون أن يُكره بأي طريقة من طرق الإكراه على ترك معتقداته، أو تبني معتقدات أخرى مخالفة لها.
بالإضافة إلى هذا العنصر الأساسي في حريّة الاعتقاد فإن العنصر الثاني من عناصرها هو الإعلان عن ذلك المعتقد والتعبير بياناً لحقيقته وشرحاً لمفهومه واستدلالاً عليه ومنافحة عنه. ومن عناصرها أيضاً: حرية الممارسة السلوكية، من قيام بالشعائر التعبدية، مثلاً، وإقامة الاحتفالات بالمناسبات والأعياد الدينية، وما إلى ذلك من مظاهر التطبيق السلوكي. ولعل من أهم عناصر حرية المعتقد الحريّة في الدعوة إليه، والسعي في نشره بين الناس ليصبح معتقداً لهم، مع ما يقتضيه ذلك من حرية إعلاميّة بوسائلها المختلفة في البلاغ والنشر، ومن حريّة في تجمُّع الناس وتجميعهم من أجل تبليغ المعتقد إليهم وشرحه لهم. إنّ هذه العناصر المكوّنة لحريّة الاعتقاد إذا ما اجتمعت اكتملت بها تلك الحرية، وأيما خلل في واحدٍ منها يفضي إلى نقصان فيها حتى ينتهي أمرها إلى الزوال.
تحية طيبة لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد الناصري،
مبارك عليكم هذا الموقع المعرفي، الذي يعد بجد جسرا متينا نحو تقصيد استيعاب رؤية معرفية متكاملة الأركان، وعيا وعلما وعملا.
نفع الله بكم وبارك لكم في علمكم،