يُعد موضوع تقسيم المعمورة على قدر كبير من الخطورة؛ لارتباطه بالتصور الإسلامي لجغرافيا العالم؛ إذ يمثل أحد أهم موضوعات الفقه السياسي الإسلامي، كما يشكل أساس التصور الفقهي للعلاقات الدولية، وتعلقه بمسائل الجهاد، وأحكام الأقليات الدينية.
وخطورته تكمن -أيضا- في أنه استثمر -بغض النظر عن صحة ذلك أو عدم صحته- في تأزيم المشكلة بين العالمين الإسلامي والغربي؛ إذ استند بعض الغربيين -في اتهامهم للإسلام بالعنف، ووصْفه بالتطرف وأنه دين تنابذي إلغائي- على التراث الفقهي المتعلق بمسألة “دار الإسلام” و”دار الحرب”؛ ففي دراسته عن “الاكتشاف الإسلامي لأوربا” The Muslim discovery of Europe يتحدث برنارد لويسفي الفصل الثاني منها عن الرؤية الإسلامية للعالم، فيوضح أن المسلمين يقسمون العالم إلى أقاليم، وهذه الأقاليم تنقسم إلى دار الإسلام، وهي التي يسكنها المسلمون الذين تحكمهم الشريعة الإسلامية في إطار دولة واحدة وحاكم واحد ويعبدون إلها واحدا، ولهذا يجب أن يسود العالم قانون واحد، وهو الشريعة الإسلامية، وأن على جميع البشر قبول الإسلام أو الخضوع للنظام الإسلامي، وأن الجهاد من الواجبات الدينية الإسلامية التي يجب القيام بها بصفة مستمرة لحفظ النظام الإسلامي.
وفي مقابل دار الإسلام -يقول برنارد لويس- توجد دار الحرب، وهي الأقاليم التي تقع خارج نطاق الأمة الإسلامية. والجهاد يعد أعظم جزء في الشريعة الإسلامية، وهذا ما نلمسه في القرون الأولى في الإسلام حينما واتت الفرصة الجنود العرب في هجومهم على فرنسا وبيزنطة والصين والهند، والمسلمون ينظرون إلى غير المؤمنين كما يقول الرسول محمد باعتبار أن “الكفار أمة واحدة” وينقسمون إلى طائفتين: الكفار، وهؤلاء إما أن يسلموا وإما أن يُقتلوا، أما الطائفة الثانية فأهل الكتاب من اليهود والمسيحيين من أصحاب الرسالات المحرفة يخيرون بين الإسلام أو القتال أو الجزية، والذين يدفعون الجزية يسمون أهل ذمة.
وطبقا لهذا التقسيم بين دار الإسلام ودار الحرب -يضيف برنارد لويس- فإن المسلمين ينظرون إلى المجتمع الغربي على أنه دار الحرب يجب قتالهم عن طريق الجهاد الذي لم يتوقف طوال التاريخ، وذلك حتى يعم الإسلام الأرض.
الملحوظ أن الفهم غير الدقيق لمسألة “دار الإسلام” و”دار الحرب”، أسهم في تشكيل الموقف السلبي للعالم والمجتمع الدولي من الإسلام والمسلمين عموما.
وبالرغم من خطورة النظرة الغربية عن الإسلام والمسلمين فإن المشكلة الأكثر خطورة تتمثل في الظلال القاتمة التي أرساها هذا التقسيم على كثير من الأحداث السياسية، والتي أثرت سلبا على العالم الإسلامي، الأمر الذي جعلنا كمسلمين نساعد في تكوين الصورة القاتمة والعدائية عن الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية.
وربما يسعفنا على تجاوز كل هذا مراجعةُ التراث الفقهي المتعلق بمسألة دار الإسلام ودار الحرب مراجعة عميقة، تكشف حيثيات نشوء فكرة تقسيم العالم إلى دور، وتعيد مرة أخرى صياغة المنظور الفقهي لتقسيم العالم في إطار رؤية واقعية لصورة العالم الراهن، ومن دون ذلك لا يمكننا تحقيق أي تقدم على صعيد البحث الفقهي المتعلق بمجال العلاقات الدولية، وعلى صعيد التكيف مع العالم الحديث بما يجعل الأحكام واقعية وقابلة للتطبيق.