الإبستيمولوجيا أو «نظرية المعرفة» مصطلح إشكالي مختلف فيه، ابتداء من تعريفه ومرورا بتحديد ميدانه وموضوعه وغايته، وانتهاء بعلاقته الملتبسة أو المتداخلة مع فلسفات العلوم. إن اختلاط وتداخل مفهوم «نظرية المعرفة» مع غيره من الحقول المعرفية وتراوح مدلولات المصطلح سعة وضيقا بين لغة وأخری، وتباین وجهات النظر في تحديد موضوعاته يعد مؤشراً على عدم وضوحه الكافي، وحاجته الدائمة إلى تحديدات إضافية. ومرد ذلك أن البحث في المعرفة ومنهجها والعلوم المتصلة بها، يعدّ بحثا جنينيا نسبيا. إذا ما قورن بعلوم ومعارف أخرى كالفلسفة والمنطق.
وفي ظل التغيرات التي يعرفها المجتمع المعاصر، وسيولة المعلومات التي تؤثث حياتنا فوق هذا الكوكب، تطالعنا المادة التحليلية بهيمنة نموذج الفصل بين القيم والدين والمعرفة لأسباب ترتبط بالنموذج الحداثي الذي قام على مبدأ عزل القيم والأخلاق عن العلوم والمعارف، مما أورث علوما مأزومة إبستيمولوجيا. الأمر الذي بات يقتضي تجديد منهج النظر في الصلة الممزقة بين القيم والمعرفة. خصوصا وأن السند الديني في بناء المعرفة، في صفته التوحيدية الخاتمة، قد أثبت أنه قادر على تجاوز القطيعة بين المرجعيتين الدينية والعقلية، وعلى استيعاب المنظور الصراعي والتقابلي في نسق تكاملي تعارفي (…)
ولقد رصدت في فكرنا الإسلامي المعاصر لهذا الموضوع كتابات على قدر كبير جدا من الأهمية والجدة، بيد أنها لم تنل حظها من العناية، وذلك بسبب عدم احتلال موضوع المعرفة ومناهجها وعلاقتها بالعلوم والصياغات النظرية المتجددة، محلها المطلوب في مدونات ومقررات البحث ولدى كثير من الباحثين.
وسيكون من جملة أهداف هذه المقالة الإسهام في التعريف بمحاولة، نحسبها رائدة في التأسيس لنظرية معرفية توحيدية. وهي محاولة طه جابر العلواني. أما الهدف الرئيسي فعلاوة على أنه يخدم نفس القضية فهو أكثر طموحا: إن التحليل الذي قدمه العلواني في متنه الفكري عن المعرفة وأنواعها، والعلوم وأصنافها، ينطوي في نظرنا على ابستيمولوجيا كاملة، بالمعنى الحديث للكلمة بوصفها نظرية في العلوم، وبعبارة أوضح بوصفها: «دراسة نقدية لمبادئ العلوم وفروضها ونتائجها وأصنافها لبيان أسسها المنطقية وحصيلتها الموضوعية».