يقول الفيلسوف الهندي راما كريشنا (1836-1886) “إن الله واحد في جميع الديانات والمذاهب، ولكن أسماءه فقط تختلف. فالماء الذي هو نفسه في اي مكان من العالم تطلق عليه أسماء مختلفة باختلاف الشعوب؛ ففي اللغة البنغالية يسمونه جال، وفي اللغة الهندية اسمه باني أما البريطانيون فيسمونه ووتر.. إن عدم تمكن البشر من فهم لغات بعضهم البعض تجعل عملية التفاهم بينهم أمرا في غاية التعقيد والصعوبة فإذا ما تجادل أحدهم مع الآخر ليبرهن له، أن الماء هو جال أو باني أو ووتر، فإن هذا الجدال يكون أمرا في منتهى العقم والسخرية. كذلك فإن نفس الشيء يمكن أن يقال عن الناس الذي يتجادلون ويتخاصمون باسم الدين”.
في تعليقه عن مقولة راما كريشنا يقول تركي الحمد في مقالة له بعنوان” “حين تختلط المفاهيم”، “ما قاله راما كريشنا حول الله والدين يمكن أن ينطبق على كافة المجالات الفكرية متصارعة او حتى متصادمة. فالكثير من الخصومات الفكرية أو الصراعات المذهبية قد لا يكون مرده إلى اختلاف حول جوهر الفكرة، بقدر ما هو سوء فهم للمصطلحات و المفاهيم المستخدمة من الطرفين المتنافسين أو كافة الأطراف المتصارعة، على افتراض أن الحقيقة الموضوعية هي المقصد و الغاية. فكما في حالة الماء التي تحدث عنها كريشنا، فإن البعض قد يصر على أن الماء هو “ووتر” بينما يصر الطرف الآخر على أن الماء هو “باني” وقد يصل الجدال بينهما إلى درجة الخصام ومن ثم حتى الصراع الذي لا يبقي و لا يذر، مع أن المعنى واحد فيما لو دقق في المسألة بشكل أعمق، فهو ماء في كل الأحوال مهما اختلفت العبارات الدالة عليه، ولكن التدقيق في المسألة بشكل أعمق يستوجب نوعا من التجرد المعرفي الساعي إلى المعرفة بصفتها معرفة مجردة أي دون غايات أو أهواء ذاتية توجهها، بحيث ينتفي المعرفي وتبقى الأغراض والأهواء أو ينتفي الموضوعي ويبقى الذاتي. فإذا كان حاجز اللغة هو اساس الخصام حول معنى الماء في قصة كريشنا الآنفة، فإن حاجز الايديولوجية هو الذي يقف عائقا أمام الاتفاق المعرفي في غالب الأحيان، وذلك حين تعرف المفاهيم ايديولوجيا وليس ابستمولوجيا أو سوسيولوجيا، فالبحث الابستمولوجي أو السوسيولوجي يحاول الوصول إلى مكنونات الاشياء، بغض النظر عن أسماء المفاهيم التي تصنف في ظلها، والتي تبقى مجرد أدوات لتحديد المعنى، وليس غايات بذاتها، بينما أن الهدف الإيديولوجي هو تبرير هذا الوضع أو ذاك عن طريق وسائل معرفية حتى لو تعارض ذلك مع المكنونات الحقيقية للأشياء.
شكر الله لكم أستاذنا الفاضل هذه المجهودات المبذولة